آخر الأحداث والمستجدات
شباطيات... أو حينما لا يصبح للسياسة معنى
يعيش واقعنا السياسي حالا أقرب إلى مشهد سوريالي غني باللوحات الساخرة، لذلك دعونا نسخر من حالنا ومن وضعنا السياسي الذي لا زال يتخبط في الرداءة .
حل حميد شباط، الزعيم النقابي والقائد الاستقلالي، خليفة علال الفاسي، مؤخرا بمكناس، في إطار ماسمي لقاء تواصليا، سبقته لقاءات أخرى، وتتلوه مواعيد مع "الجماهير" في اللاحق من الأيام..
واستغل الزعيم الاستقلالي المناسبة لإخراج ما بجعبته ليشهر وجوده القسري، معلنا نفسه كائنا سياسيا قديما/جديدا، يحب المغاربة ويدافع عن مصالح الوطن، لا ينسى في وحدتنا الترابية شبرا من تلك الحدود الشرقية المنسية، مؤكدا أن تندوف وبشار أراض مغربية...
حضر المكناسيون أو أحضروا بكثافة، لا يهم.. المهم ما قاله شباط.. قد يقول البعض أن ما يقوله هذا الزعيم النقابي لا يهم أيضا، فشخص كشباط لا يجب الإنصات لكلامه.. وقد يقول البعض إن شباط عبد مسخر يتكلم نيابة عن آخرين، وقد يكون هذا الكلام صحيحا، وقد يكون كل الكلام صحيحا، وهنا بالضبط، يصبح المشهد سورياليا، أي حينما يصبح كل الكلام مباحا وتصبح جميع الأراء صائبة..
أحيانا كثيرة أجدني مصدقا لكلام هذا النقابي الاستقلالي، بل ومتعاطفا معه، لكني أصفع خدي كي استفيق من تأثير الشعبوية، فلا أحد يمكنه أن يجادل في شعبوية الرجل.
لقد قال كل ما يحب المغاربة سماعه، كل ما يشفي الغليل دون أن يكلف شيئا.. تحدث عن البوطاغاز وعن العاطلين وعن هراوة المخزن، قال الكثير عن الضرائب وعن الصحة والتعليم، وعن الميزانية، وعن ذكاء المغاربة الذي يفتخر به العالم، ذكر استوديو دوزيم وتألق المغاربة على أصوات أهل الفن من المشرق وقال إن المغاربة محتاجون لمن يقف إلى جانبهم، وكفى من المزيد من إضاعة الوقت.
من يقول إن بنكيران شعبويا فإنه لم يستمع يوما لحديث شباط، وليس هذا دفاعا عن رئيس الحكومة الأتعس في تاريخ المغرب، لكن شباطيات الزعيم الاستقلالي فاقت كل الشعبويين، أو كما قال أحد الحاضرين : إنه يسبق أذنك، فما تريد سماعه ينطق به شباط في الحين.
سخرية المشهد المغربي لا حدود لها، إنه التميز الحقيقي. ركيزة الحكومة الأساس تتحول لأكبر منتقد لها، لم ينل حليفه بنكيران سوى الاتهامات الغليظة، بعضها يحاول تأليب المغاربة ضده، حين قال على سبيل المثال، إن بنكيران دعا إلى انتقاص وزن قنينات الغاز عوض الزيادة في سعرها، وحينما أسر أن بنكيران لا يقترح لمواجهة أي مشكل سوى أحد حلين :إما الزيادة في الأسعار أو في الضرائب، وإنهما اتهامان في غاية الخطورة لو ثبتا عن رئيس حكومة محترم ومنتخب.
حليفه "الشيوعي"داخل الحكومة نال أبشع الأوصاف، ووجهت لوزرائه اتهامات ثقيلة بالاسم، قد يفهم من ذلك أن حربا خفية تضرب رحاها بين الحلفاء الأعداء، فغير منطقي أن يوجه كل هذا الكلام تجاه حلفاء حكوميين بعد عام ونصف من تشكيل الحكومة.
لقد أخطأ بنكيران مرارا حينما أدار ظهره للشعب باتخاذه لقرارات تخدم مصالح فئات دون أخرى، وحينما أدار ظهره لبرنامج حزبه الانتخابي واكتفى بالدفاع عن التوازنات المالية والرفع من الأسعار والزيادة في الضرائب عكس ما كان يدعو إليه، وهو ما أسقطه في تناقض أفقده الكثير من شعبيته دون أن يحقق جزءا بسيطا مما انتظره المغاربة، وهي الفجوة التي يستغلها شباط اليوم، وأمثاله لضرب الطوق على بنكيران والحكم على تجربته بالفشل، بناء على معطيات وأرقام، فبالرغم من أن الكلام القريب من الشعب يخرج اليوم من أفواه لم تنظف بعد من رائحة الفساد والتورط في الكوارث الاجتماعية والاقتصادية التي تضرب المغرب اليوم، فإن أصحابها يجدون مبررات كافية لارتداء عباءات المصلحين، ولو كانوا من داخل الحكومة نفسها التي يسهرون على تدبير شؤونها.
شباط يعلن تارة الانسحاب من الحكومة، وتارة أخرى يقول إنه مستعد للحوار، وتارة يلوح بأنه سيقبل بحكومة بنكيران في حال إرضائه، وطبعا لن يكون الإرضاء سوى بإعادة توزيع حقائب وزارية على استقلاليين أظهروا الوفاء لشباط، أما توسيع مشاركة حزب الميزان، فيبدو أنها ستكون على حساب حزب نبيل بن عبد الله، الذي صام كثيرا عن بنكيران، لكنه أفطر على عشاء ثقيل من إعداد شباط، قد يضع حدا لفرحته بحقائب حزبه الوزارية.
خطاب الزعيم الاستقلالي حميد شباط، حمل عدة إشارات، لكن السيناريو الأقرب للتحقيق يظل دائما بعيدا عن مخيلات المغاربة، فهم على الدوام آخر من يعلم بما يطبخ في الكواليس، فلا أحد يمكنه الجزم بأن خرجة شباط المسعورة قد تضع حدا لحكومة دستور 2011 بهذه السرعة، ولا أن يتوقع اجتماع كل أسباب التضييق على بنكيران بهذه الصورة الغريبة، أو أن يتم طي صفحة العدالة والتنمية، أو أن تتم إطالة عمرها بمعادلات جديدة وشروط لعب تضعف أطرافا دون أخرى..
ما يخشاه المغاربة، دون تعميم بالتأكيد، أن يكون شهر العسل قد ولى، خصوصا وأن مؤشراته بدأت تظهر بالتضييق على الحريات، ومحاولات العودة إلى التحكيم، والوصاية، وأن الفترة التي نعيشها ليست سوى أشواط نهائية من مرحلة أجلت بقليل سيناريو "الجرار" الذي لا بد أن يظهر مجددا بوجه آخر.
أخيرا، لا بد أن أشير أنني تفاجأت من حجم الحضور الذي استقبل شباط بمكناس، وهو الحضور الذي فاق بكثير أعداد الجماهير التي عاينت لقاءه بفاس. أتمنى فقط أن يكون كلام الزعيم الجديد مجرد "شباطيات" ستطلع عليها شمس الحقيقة قريبا في مغرب أصبحت فيه كل الطرق تؤدي إلى السياسة.
الكاتب : | سرحان |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-06-03 19:24:26 |